.[تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ]:
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ. قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمئِذٍ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ.
.نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ- وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ. ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شَرَفِهِ مِنْ قَوْمِهِ اثْنَانِ لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيّرَهُ وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُد ٍ، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ. فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا.
.[إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ]:
فَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ.
.[إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ]:
وَأَمّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ-: لَا تَقُولُوا: الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا: الْفَاسِقَ.
.[مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ جِئْتُ بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَنَا عَلَيْهَا؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَسْتَ عَلَيْهَا؛ قَالَ بَلَى قَالَ إنّك أَدَخَلْتَ يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا قَالَ مَا فَعَلْتُ وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً قَالَ الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا- يُعَرّض بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَيْ أَنّك جِئْتَ بِهَا كَذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ. فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ. فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ. فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا.
.الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ:
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ. فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ.
.[هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ]:
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ:
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ** كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو
فَإِمّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ** فَقِدْمًا بِعْتَ إيمَانًا بِكُفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا.
.[خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ مُخْتَطِمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ. قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَي ّ، وَهُوَ فِي ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكّرَ بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ يَا هَذَا، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ جَاءَك لَهُ فَحَدّثْهُ إيّاهُ ومَنْ لَمْ يَأْتِك فَلَا تَغْتُتْهُ بِهِ وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَى، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَدُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَهُوَ وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ، وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى:
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمَك لَا تَزَلْ ** تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ
وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ** وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا، لَكَأَنّك سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ قَالَ أَجَلْ ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ: فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك، وَإِنّا لَنَنْظِمُ لَهُ الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا.
.ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللّهِ مِنْ الْحُمّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ؟ فَقَالَ:
كُلّ امْرِئٍ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ** وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
قَالَتْ فَقُلْت: وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ ثُمّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ؟ فَقَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ** إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ** كَالثّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
بِطَوْقِهِ يُرِيدُ بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ فَقُلْت: وَاَللّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ** بِفَخّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنّةٍ ** وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ.
.[دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ]:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ فَقُلْت: إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْتَ إلَيْنَا مَكّةَ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ، الْجُحْفَةُ.
.[مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى الْمَدِينَةِ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ اعْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. قَالَ فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ.
.[بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
.[تَارِيخُ الْهِجْرَةِ]:
بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا، وَذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحَجّةِ- وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرّمَ ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ.
.غَزْوَةُ وَدّانَ:
وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عليه الصلاة والسلام.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ وَدّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمَرِيّ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ. ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا.
.سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَا ةُ وَالسّلَامُ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ.
.[مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ]:
ثُمّ وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ. وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ** أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
تَرَى مِنْ لُؤَيّ فِرْقَةً لَا يَصُدّهَا ** عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ** عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ
إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ** وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللّوَاهِثِ
فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ ** وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ
فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ** فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ
وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ** فَلَيْسَ عَذَابُ اللّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ
وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ** لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ
فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ** حَراجِيجُ تُحْدَى فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ
كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ** يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النّبَائِثِ
لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ** وَلَسْتُ إذَا آلَيْتُ قَوْلًا بِحَانِثِ
لَتَبْتَدِرَنّهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ** تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ
تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ** وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ
فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ** وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ
فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ ** فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ
.[شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي الرّدّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ]:
فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ، فَقَالَ:
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ** بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ** لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ
لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ** عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفَا ** مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ ** وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ
وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ** بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ
نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ** وَنَشْفِي الذّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ
فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ** وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ
وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ** أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنِ نَسْءٍ وَطَامِثِ
وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ** حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ
فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً ** فَمَا أَنْتَ عَنْ أَعْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ
وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ** تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى.
.[شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ:
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ** حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ** بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ
فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ** بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي
وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صِدْقٍ ** وَذُو حَقّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ
يُنَجّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ** بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ
فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ** غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ.
.[أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ.
.[سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]:
وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
.[كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ]:
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبّهَ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ** وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ** لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ** لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ** وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ ** لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ** عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ** إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ
عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ** مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي
فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ** مَطَايَا وَعَقّلْنَا مُدَى غَرَضِ النّبْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ** وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ** فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ
وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ** وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ
فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ** وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ
فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ** عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ
.[شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ]:
فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ** وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ
وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ** عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ
أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ** وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ** عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ
فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ** لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ** بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ
فَقَالُوا لَنَا: إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ** رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ
فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ** جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ
تَيَمّمْتُهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ ** لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أَصْلِ
فَوَزّعَنِي مَجْدِيّ عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ** وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ
لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ** أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ
فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ ** مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ
وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ** بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ
فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ ** بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** كِرَامٍ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ.